الهدف الأسمى للمنهج الإسلامي بكل فروعه.. نظام الحكم, ونظام الاقتصاد, والتشريعات الجنائية, والتشريعات المدنية، وتشريعات الأسرة، وسائر التشريعات التي يتضمنها هذا المنهج.. هو تحقيق معنى "العبادة" في حياة الإنسان.
فليس هناك أشرف نزلاً ولا أرفع قدرًا ولا أكرم مكانةً من أن نكون عبادًا لله كما يحب ويرضى، فالتذلل بين يدي الله منتهى العز، والخضوع أمام سلطانه قمة العظمة، والخوف من قهره وانتقامه منبع الأمن، والبكاء من خشيته مبعث الرجولة، وذلك كله لا يكون إلا لله، فهو وحده المستحق للعبادة بلا منازع أو شريك، قال تعالى ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ (البينة: 4).
إن حياتنا كلها- بما فيها ومَن فيها- ينبغي أن توجَّه لله الواحد القهار، ولا نخطو خطوةً ولا نعمل عملاً إلا والله تعالى أمامنا، وهو ما قام عليه الجيل الفريد في العهد الأول من هذه الرسالة الخالدة وضرب به أروع الأمثلة العملية في العبودية..
عبودية.. تورث عزًّا لا ذل فيه، واستعلاءً لا تكبُّر معه، يكون شعارها "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام"، ومدادها "لقد ابتعثنا الله لنخرج الناس من عبادة الناس إلى عبادة الله".
عبودية.. تصنع أسسًا لحكمٍ قوامه العدل والمساواة والشورى واحترام الحقوق وأداء الواجبات، يتحقق فيها قول الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: "لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها".
عبودية.. تولِّد المسؤولية الفردية والجماعية عند الراعي والرعية على حدٍّ سواء، لا تفاخرَ فيها ولا بغيَ، ولا حقدَ ولا حسدَ، يتجسَّد فيها قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".
عبودية.. ترتكز على التربية ومنظومة القيم الإيمانية والأخلاقية كأساس للتغيير والإصلاح، وإرشاد الناس، ومواجهة التحديات والأخطار التي تواجه الأمة، وتنمِّي الإرادة الذاتية للشعوب في التغيير.
إن الأمة إذا حقَّقت صحة العبادة، بمدلولها الواسع ومفهومها الشامل، وكان الله غايتَها ومنتهاها فيما تقصد؛ لرحلت عن قلوبنا الدنيا، وحلَّ محلَّها حب الله وما أعدَّه لنا، وعندها يتجلَّى المعنى الحقيقي للحياة.. عندها يتغيَّر المشهد العالمي كله، فيعزُّ الإسلام، ويسودُ العالمين، ولن يفلح معنا مكر الصهاينة، ولا غطرسة الأمريكان، ولا ممالأة المنافقين، ولا عمالة العملاء، وعندها ستشهد الدنيا بنور الإسلام.