ياسر الزعاترة
نقلا صحيفة الدستور الاردنيه
لا يشتري أحد على الإطلاق الدموع التي ذرفت من أوساط السلطة على شهيدي الخليل،
وكذلك حال الإدانات التي صدرت، فضلاً عن تلك التهديدات التي أطلقتها كتائب كانت لها ذات يوم صولات وجولات،
قبل أن يتحول عناصرها إلى موظفين ببضعة مئات من الدولارات شهرياً في مؤسسات السلطة من أجل أن تكون جاهزة لإعلان الدولة كما يقال،
لاسيما أن كثيراً منهم قد ساهموا في "مرمطة" المجاهدين مراراً وتكراراً في سياق الرد على ما يسمونه الانقلاب العسكري في قطاع غزة.
ذاكرة الناس ليست مثقوبة إلى هذا الحد،
فالعملية البطولية التي نفذها مأمون النتشة ونشأت الكرمي لم يمض عليها سوى أقل من ستة أسابيع،
وكان قادة السلطة قد أكدوا أنهم سيقبضون على الفاعلين، ولن يسمحوا بتكرار ما جرى بأي حال،
فيما ندرك أنهم يتخصصون في مطاردة السياسي والاجتماعي الحاضن للمقاومة وليس العسكري
الذي يُترك شأن التعامل المباشر معه لأجهزة الاحتلال (تبادل المعلومات شيء آخر).
كان الشهيدان يدركان أي درب اختارا، وهما كانا على موعد مع الشهادة،
وكان بوسعهما أن يسلما في المعركة الأخيرة، لكنهما اختارا مواجهة جيش الاحتلال بطائراته ودباباته وجرافاته لمدة ثماني ساعات،
فهنا على وجه الخصوص ينتصر الدم على السيف، ويسري الدم في عروق الأرض وقلوب الشرفاء،
فيغدو ناراً تحرق المحتلين ومن يتعاونون معهم ولو بعد حين.
في الخليل خرج أبناء العائلات وقدموا أجمل الشهداء،
تماماً كما هو الحال في نابلس وسواها من المدن، فهنا في برنامج المقاومة الإسلامية يتوحد الجميع خلف راية لا لبس فيها،
وينخرط أجمل الرجال الناجحين في سلك الجهاد والشهادة، إذ لا مكان للذين يحملون السلاح لترويع الناس وليس للإثخان في العدو.
ليفرك جنود دايتون أيديهم فرحاً على الإنجاز الذي حققوه بالوصول إلى الرجال، فهم اعتادوا أن يعيّروا حماس بأنها لا تقاوم،
وحين تقاوم يقولون إنها تريد تخريب المفاوضات،
لكأنها كانت ناجحة وتحتاج إلى تخريب، فضلاً عن أن يقولوا أنها تهدد المشروع الوطني.
أي مشروع ذاك بالله عليكم؟
والحق أنهم يتمنون أن تكون حماس مثلهم، وتخوض كخوضهم لكي تستوي معهم، وكلما قدمت الشهداء
كان ذلك مثابة إحراج لهم، ولا بد تبعاً لذلك من قطاع دابر المقاومة بكل الوسائل الممكنة،
لأنه ما من شيء يحرجهم مثل ضرب العدو وارتقاء المزيد من الشهداء إلى ربهم.
لمأمون النتشة ونشأت الكرمي أن يرتقيا إلى ربهما شهيدين رائعين، وللخليل أن تزهو بأجمل الأبطال الذين لا يزالون قابضين على الجمر،
هي التي لم تفتأ تتمرد على جنود دايتون رغم جبروتهم واستقوائهم بالسلاح والسجون والتعذيب.
سيرة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال هي سيرة الأبطال والشهداء، وسيرة التضحيات،
وعندما يبدأ الناس في شراء الراحة بالأرض والقيم والكرامة يكون السقوط ويكون الوبال،
وهذا السرب من الشهداء تمردوا ويتمردون على هذا الهوان ويصرون على درب عبد العزيز الرنتيسي
الذي أعلن أن الناس يموتون بطرق شتى، لكنه يفضل الموت بصواريخ الأباتشي والإف 16، وهو ما كان.
لن تمر هذه الأفعال، وإذا لم يتمكن الشعب من محاسبة القتلة والعملاء في القريب العاجل، فسيفعل في يوم ما،
لكن الشهداء لا يطلبون العاجلة، بل يطلبون الآجلة في مقعد صدق عند مليك مقتدر،
مع أن شعبهم لن ينساهم، رغم أنهم لم يطلبوا الدنيا ولا السمعة ولا الصيت.
نحزن على هؤلاء الأبطال، ونتمنى لو عاشوا أكثر لكي يثخنوا في عدوهم أو يفرحوا بالنصر النهائي،
لكنه ميزان القوى المختل، فضلاً عن المعادلة البائسة التي كشفت ظهورهم باستهدافها لكل ما يمت إلى المقاومة بصلة.
سلام على أجمل الشهداء.
صحيفة الدستور الأردنية